برصيصا_العابد!

صفا النعمان

الادارة
طاقم الإدارة
برصيصا_العابد!


كلنا سمعنا عن عقود مع الشيطان،أي شخص باع نفسه للشيطان، لكن دوماً كنا نسمع عن أن هذا الشخص يكون كافر أو مشرك بالله، أو إنه لا يفهم شيء في الدين، وبيبيع دينه لأجل دنياه!

ولكن الكارثة عندما يكون هذا الشخص شخص مؤمن من قلبه، شخص تعبد عمره كله ووهب نفسه لله، راهب، معتكف، لا يفعل شيئ غير إنه يصلي ويصوم ويذكر الله..?
شخص مثل هذا.. ماهو الشئ الذي يجعله يقع في شباك الشيطان، ويصل الأمر به أن يكفر بكل المسلمات الدينية، ويرتكب كل الكبائر الى ان يصل لأعظم ذنب، رغم أن الشيطان نفسه ضعيف، ولكن حيلُه قوية، يستطيع من خلالها ان يغوي عبد صالح وطاهر مثل بطل قصتنا اليوم....

برصيصا_العابد!

من زمن طويل، طويل جدًا، زمن بني إسرائيل، كان في راهب وهب حياته كلها للدين، معتكف في مكان بعيد عن أهل المدينة، يُقال إنه تعبد لمدة 70 سنة، ويُقال 40 سنة، في هذه المدة كان يصلي ويصوم ويؤدي كل الطاعات على أكمل وجه، ولا يرتكب ذنب واحد، لدرجة إن الناس أطلقت عليه اسم "العابد" من كثرة تعبده، هذا الشخص كان اسمه (برصيصا).

الشيطان حاول بكل الطرق ان يغوي (برصيصا)، ولكنه كان دايمًا يفشل، لم يجد طريق يدخل به على هذا الشخص، ويجعله يرتكب ذنبا واحداً، وهذا كان سبب كافي لـ(إبليس) إنه يجمع الشياطين والمردة، وياخد بمشورتهم، وبعد ما جمعهم قال لهم:
-من منكم قادرٌ على إغواءِ هذا العابد؟!

أصابهم الإحباط لأنهم اجتهدو سنين طويلة ومااستطاعو ان يضلوه، وهنا خرج شيطان بدرجة عالية، متخصص في إغواء البشر لديه من المكر الكثير، فرد وقال:
-أنا أتكفل به.

هذا الشيطان كان لديه حيلة قوية جدًا، وهي إنه سوف يمثل إنه شخص صالح زي (برصيصا) حتى يكسب ثقته، فتنكر في صورة راهب، وتوجه لـ(برصيصا) ودخل عليه في صومعته ونادى عليه، (برصيصا) لم يرد عليه وهذا لأنه كان متعود ان يصلي 10 أيام ويصوم عن الكلام ولا يتكلم الى اي شخص.. وبعد الـ10 أيام ياخذ يوم راحة..
ففكر الشيطان وقرر إنه يصلي بقربه، الشيطان كان لديه صبر كبير جدًا، وكان يفكر في كل خطوة ياخدها، وبالفعل اخذ يصلي بقربه الـ10 أيام ولما انتهوا نظر له (برصيصا) وقال:
-ماذا تريد؟!

رد عليه الشيطان:
-جئت كي أتعلم منك، أتعبد مثلك، وأصلي مثلك، وأقتدي بك.. ?
وهنا عزيزي القارئ لاحظ ان من بداية كلامه، يريد ان يحسسه إنه قدوة.?

(برصيصا) لم يرد عليه واكمل صلاته، وزاد هذه المرة أيامه لـ40 يوم يصلي ويصوم ويفطر يوم واحد، والشيطان ثابت على مبدأه يصلي ويصوم معه، وهذا كان اختبار من (برصيصا) إذا كان هذا الشخص حيصبر ولا لايستطيع ان يكمل، وبالفعل استمر الوضع سنة كاملة.

وبعد ما انتهت السنة بدأ الشيطان يتلاعب بـ(برصيصا) وقال له إن الناس أخبرته إنك تعبد الله أكتر من هذا، وان امله قد خاب فيه، وإن عبادته ضعيفه، وهو تذكر شخص يعبد الله خيرًا من هذا، فكان (برصيصا) مصدوم من كلماته، فاكمل الشيطان كلامه وقال:
-سأبحث عن غيرك يعبد الله أكثر منك، وسوف أتركك، ولكنني قبل أن أذهب سأعلمك كلمات احفظها ورددها فيرفعك الله بها.. كلمات لو قلتها على مريض يشفيه الله وإذا قلتها على مبتلي عافاه الله.
سأل (برصيصا) عن الكلمات، فقالها له الشيطان، فحفظها (برصيصا) وانصرف الشيطان.

تحرك الشيطان وذهب لراجل وسط الناس، تلاعب بعقله فأُصيب الراجل بالجنون، وبدأت الناس تبحث له عن طبيب، فالشيطان تمثل في هيئة طبيب ولما كشف عليه قال لهم إنه أصابه الجنون وإنه يوجد شخص واحد يستطيع ان يعالجه، ولما سألوه عن هذا الشخص.. قال لهم عن (برصيصا)..
وبالفعل ذهبوا لـ(برصيصا) وطلبوا منه ان يعالجه.. فقرأ عليه الكلمات اللي حفظها له الشيطان فتعافى المجنون!

في هذه اللحظة بدأ الشيطان يلف في القرية ويمارس ألاعيبه على الناس ويصيبهم بالجنون والصرع، وكل شخص يُصاب بالجنون يذهب لـ(برصيصا) ويعالجه بكلمات الشيطان، وبدأت الناس تعرف (برصيصا) أكتر.. واقتنعو انه عبد صالح والله أعطى له هبة.

الخطوة التي بعدها من الشيطان كانت إنه صرع سيدة، وفي اختلاف هنا حولها، في الذي قال إنها كانت جارية عند ملك، وفي الذي قال إنها كانت أخت لـ3 إخوان عايشين في هذه القرية وهذا هو الراجح..
فلما أصابها الجنون الـ3 رجال اخذوها وذهبوا بها لـ(برصيصا)، فرفض يقرأ عليها لأنه لا يقرأ على النساء، فوسوس لهم الشيطان بان يتركوها جوار الغار.. لما يأتيها الصرع ممكن ان ياتي برصيصا ويقرأ عليها.

وهنا جاء دور الشيطان مرة اخرى.. إنه بدأ يقول لـ(برصيصا) انها فتاه ضعيفة، اقرأ عليها حتى تذهب لأهلها، وانها في الغار وحدها، ممكن اي شخص يتهجم عليها، اقرأ عليها لتذهب.?

وناخد بالنا هنا من وسوسة الشيطان!??

ولما أصابها الصرع دخل (برصيصا) وقرأ عليها، ويُقال إن ردائها انكشف من على جسمها.. في هذا الوقت خرج (برصيصا) بسرعة، ويُقال إن هذا لم يحصل.. فقط إن (برصيصا) كان يأتي لها بالأكل ويقدمه لها فكان في البداية لا ينظر اليها، اغواه الشيطان فبدأ ينظر اليها، وبعدها اغواه الشيطان فبدأ يكلمها، وبعدها اغواه الشيطان فبدأ يجلس معاها.

المهم إن الشيطان بدأ يصور له صورتها امامه ويغويه في الليل حتى يزني معاها، وده شخص متعبد طول عمره ولم يرى جسد سيدة من قبل..
اغواه مرة، والتانية، والتالتة، وفضل وراه لحد ما بالفعل (برصيصا) زنا مع البنت.

البنت حملت، فانتقل الشيطان للخطوة التانية، وهي إن لو أهلها شافوها حيقتلوك، وحتتفضح وسط الناس، اذن ما الحل ?
(لازم تقتلها) وتتخلص منها وبعدها تتوب إلى الله.?

فقتلها (برصيصا) ? فقال له الشيطان ادفنها ولو ان احد من أهلها سأل عليها قول إنها هربت، وفعلًا دفنها.?

ولما أهلها سألوه فعلًا رد عليهم وقال لهم هربت.
وبكده يكون ارتكب 3 أخطاء، زنا، قتل، كذب.

الـ3 الإخوان بدأوا يبحثوا عن البنت ولم يجدوها، فظهر لهم الشيطان في المنام كلهم بنفس الحلم، وقال لهم عن كل الذي حصل?، ولما استيقظو من النوم اكتشفوا إنهم حلموا نفس الحلم، ولما راحوا لـ(برصيصا) رد عليهم وقال لهم إنه شخص عابد يصلي ويتقي الله ومستحيل يعمل كده، فصدقوه.

ولكن الشيطان ظهر لهم في الحلم تاني وقال لهم عن مكان دفنها، فذهبو وعرفوا مكانها وطلعوا جثتها، وقالوا لملك المدينة عن الذي ارتكبه (برصيصا) فهدموا صومعته، وحكم الملك عليه بالصلب والقتل امام الناس اجمعين.

هنا ظهر لـ(برصيصا) الشيطان حتى يرتكب آخر ذنب وأكبر ذنب، فقال له:
-هل عرفتني؟!
رد عليه (برصيصا):
-لا والله ما عرفتك.
فقال له:
-أنا الشيطان.

صُدم (برصيصا) ولكنه كان كل تركيزه على الكارثة الذي وقع فيها، فقال له الشيطان:
-إن أردت أن تتخلص مما أُقحمت فيه اسجد لي سجدة واحدة وسأخلصك.

فكر (برصيصا) فبدأ الشيطان يغويه ويقول له إنه سيتفضح ونهايته ستكون سيئة، ففي النهاية سجد (برصيصا) للشيطان??

هنا قال الشيطان:
-إني بريءٌ منك، إني أخاف الله رب العالمين.

بعد ما أغواه، وخلاه أشرك بالله، وارتكب كل المعاصي والكبائر، وسجد له، تخلى عنه وقال له أنا برئ منك وبخاف الله..?

فقتله الملك على كفره بالله، ونزلت الآية، (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) سورة الحشر.

تخيل هذا الشخص كيف كان في البدايه، والأمر تطور معاه و كيف وصل للنهاية!!

المصادر:
القرآن الكريم.
حديث ابن جرير.
حديث ابن مسعود.
البداية والنهاية لابن كثير.

-

وآخيرًا كلها اجتهادات من العلماء في تفسير كتاب الله، والله أعلى وأعلم بصحتها ...
 
عودة
أعلى